الاثنين، 28 مارس 2011

عقدة الحكم العربية

يدعي بنيامين نتنياهو .. في كتابه مكان تحت الشمس أن من يسمون المستعربين البريطانيين .. وأشهرهم جون شاكبرغ وتوماس ادوارد لورنس والذي يلقب بلورانس العرب .. وهم من أمضوا سنوات طويلة في تعلم اللغة العربية وأقاموا في أماكن عديدة مثل القاهرة والخرطوم وكانت لديهم دراية وخبرة كبيرة في المنطقة العربية ..
يدعي نتيناهو أن هؤلاء كان لديهم حلم بإنشاء امبراطورية عربية موالية لبريطانيا تمتد من السودان وحتى العراق  .. بما فيها أرض فلسطين .. وهذه الامبراطورية من شأنها أن تشكل اتصالا بريا بريطانيا من جنوب افريقيا إلى الهند .. وفي سبيل ذلك قام هؤلاء الموظفون المستعربون بالنضال من أجل تحرير العرب من الحكم العثماني .. كما اجتهدوا لإبراز زعماء عرب ليوحدوا قبائل عربية متفرقة ويضعوها إلى جانب بريطانيا
لنقف قليلا عند ما كتبه نتنياهو .. وتحديدا عند قيام هؤلاء الموظفين المستعربين بإبراز بعض الزعامات القبلية والتي كانوا يعدونها امتدادا في مستقبل بريطانيا العظمى ــ كما كانت تسمى ــ إن هذا الإبراز ليشكل لنا نقطة محورية في فهم الحلقة الضائعة في أصل الزعامات العربية القديمة والتي أفرز بعضها انقلابات لا تمت للحرية ــ وإن كانت شعارها ــ بأية صلة ..
وإن أجرينا مسحا للدول القومية العربية التي كانت ترزخ تحت الاستعمار البريطاني وجدنا أن معظم الزعماء الذين تولوا الحكم فيها عقب رحيل البريطانيين كانوا من صنيعة هؤلاء المهندسين .. بعضهم امتد حكمه إلى اليوم وآخرون زالوا بانقلابات عسكرية لم تختلف بطريقة حكمها عنهم ..
ومن الملاحظ أن هذه الزعامات كثير منها لم تكن تحظ بأي بعد قومي معروف أو بأي إنجازات سابقة تسجل لها .. وإنما استغلت غفوة شعوبها التي لم تكن تولي الحكم أهمية .. فقد اثقلوا بمهام الحياة الصعبة ومواجهة الفقر والجهل اللذان تركتهما الأمة العثمانية للعرب يكتوون بناريهما ..
كان أصحاب لورانس العرب لا يرون أي خطر في وحدة عربية ما داموا قد أتوا بزعماء مغمورين لا يعرفهم أحد .. فمن السهل عليك دائما أن توجه مغمورا لا يملك أي خبرة إلى ما تريد خاصة وأنت تعطيه العصا وتمنحه الحب
ولدينا هنا مفترقان صعبان .. فالمثقفون العرب في عهد الاستعمار البريطاني وبعده لم يصدقوا أهلية هذه الزعامات للحكم العربي .. وهم أيضا لم يكن لديهم أي برنامج واضح يمكن أن يكون بديلا لما هو عليه الواقع ..
بعضهم لجأ إلى مقاومة هذه الزعامات من خلال التأكيد على محورية القضية الفلسطينية والذهاب بعيدا عن مربع هذه الزعامات ما استنفذ منه الوقت والجهد وهو لا يعلم بأنه يطبق رؤية دونكي شوت في محاربة الأعداء ..
آخرون توجهوا إلى معالجة مجتمعاتهم ولكن الرؤية كذلك كانت قاصرة .. فالاعتمادية كان لديهم مستمدا من تاريخية العرب القتالية ومن روح القرون الوسطى ومثالية العهد الإسلامي الغابر .. فالخطوة كانت دائما بدعم محررين .. ضباط جيوش .. حالمون .. لديهم جانب من الثقافة التي يتفوقون بها على نظرائهم من أبناء الشعب
واستمر هذا التخبط في تسليم السلطة إلى غير أهلها ودائما كانت ترفع شعارات الديمقراطية والحرية والشعب العظيم .. ليس العربي طبعا .. بل الدولة القومية ضيقة الحدود .. وهذا لم يختلف كثيرا بين دول الانقلابات ودول الزعامات الأسطورية التي خلقت تاريخا لم يكن لها أبدا في يوم من الأيام .. فهي كذلك تعلمت لغة الخداع كما غيرها في هذا العالم الفسيح ..
ولم يقف مربع الادعاء بالقومية القطرية عند حافة هذه الزعامات بل تناوبت على خدمة أغراض وأطماع دول كبرى .. الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة في وقت من الأوقات .. ودائما كانت تلهي شعوبها بأزمات خلافية داخلية واقتصادية .. بل إنها صنعت عدوا خارجيا وهميا كثيرا ما يكون شقيقا عربيا وعدوا داخليا دفعت الشعوب ثمنه دما ما رسخ شروخا بين النسيج الاجتماعي للدولة .. وتستطيع أن ترى ذلك في كل دولة عربية .. قبطي ومسلم مصري .. ليبيا شرقية وغربية .. عراقي وكويتي .. لبناني وسوري .. شيعي وسني ووو .. الخ
لا بد أن المشهد صعب .. والتناقضات أكثر شيء فيه .. فالعرب لم يعودوا يصدقوا بأنهم أمة واحدة تستمد مكانتها من حضارتها وتاريخها .. وكل ما صدقوه أنهم شعوب متفرقة لها وحدة قومية يمكن أن تصنع وتعزز .. فالمصريون باتوا يستمدون تاريخهم من ذكريات الفراعنة والمغاربة من ثقافة البربر والليبيون من تاريخ الأمازيغ والعراقيون من الآشوريين بل إن السودان في لحظة من اللحظات ينسى فيما إذا كان عربيا أولا فالأفرقة تطبعه وتطبع وجوده وحدث عن ذلك ما شئت .. ويبقى لدينا هنا كلمة .. وهي فيما إذا كانت الشعوب العربية تستطيع العودة إلى خط البداية في ثوراتها هذه أم تكرر وتكمّل ما بدأت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق